أعداد وتنظيم : عبدالعزيز العيوني – 27/07/2024م
إهـــداء
* إلى كل من زملائي ورؤسائي في العلم والعمل
* إلى أهلي وابنائي واحفادي الأعزاء .
* إلى جميع أفراد أسرة آل العيوني وارحامهم .
* إلى القراء الكرام .
* إلى كل هؤلاء اهدي هذا العمل المتواضع .
وأسأل الله أن يكون مفيدا لكل مطلع .
عبدالعزيز عبدالرحمن اليحيى العيوني
المقدمـــة :
أخبر الله تعالى الملائكة عليهم السّلام .
بأنّه سيخلق في الأرض بشراً يخلف بعضهم بعضاً . كما قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) . فردّ الملائكة سائلين الله تعالى .
استكشافاً واستعلاماً عن الحكمة من خلق آدم عليه السّلام . وليس اعتراضاً .
ويدلّ قولهم أنّ لديهم إلهاماً وبصيرةً .
كشفت لهم فطرة هذا المخلوق .
وبعد آدم عليه السلام توالت الرسل على ذريته عليه السلام .
وسميّ الرسول رسولاً . لأنّه ذو رسالةٍ ويمكن تعريف الرسول لغةً بأنّه الذي يتابع أخبار الذي بعثه . أمّا النبي لغةً فيأتي بمعنى المخبر عن الله تعالى . ومثال ذلك قوله تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) وكقوله تعالى : (قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) . ويعرف النبيّ بالإنسان الذي ُينبّؤه الله تعالى ويُخبر الناس ويبلغهم أوامر الله تعالى ونواهيه .
والله ولي التوفيق .
عبدالعزيز العبدالرحمن العيوني التميمي
جوال : 0507988088
أولاً : آدم عليه السلام :
أبو البشر : خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة
- : كن فيكون :
- علمه الأسماء .
- وخلق له زوجته .
- وأسكنهما الجنة .
- وأنذرهما .
- أن لا يقربا شجرة معينة .
- ولكن الشيطان .
- وسوس لهما .
- فأكلا منها .
- فأنزلهما الله إلى الأرض .
- ومكن لهما سبل العيش بها .
- وطالبهما بعبادة الله وحده .
- وحض الناس على ذلك .
- وجعله خليفته في الأرض .
- وهو رسول الله .
- إلى أبنائه وهو أول الأنبياء .
ســيرتـه:
خلق آدم عليه السلام:
- أخبر الله سبحانه وتعالى .
- ملائكة بأنه سيخلق بشرا .
- خليفة له في الأرض .
- فقالت الملائكة :
- أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ.
- ويوحي قول الملائكة هذا .
- بأنه كان لديهم تجارب سابقة .
- في الأرض .
- أو إلهام وبصيرة .
- يكشف لهم عن شيء .
- من فطرة هذا المخلوق .
- ما يجعلهم يتوقعون .
- أنه سيفسد في الأرض .
- وأنه سيسفك الدماء .
- ثم هم .
- بفطرة الملائكة البريئة .
- التي لا تتصور إلا الخير المطلق .
- يرون التسبيح بحمد الله .
- والتقديس له .
- هو وحده الغاية للوجود .
- وهو متحقق بوجودهم هم .
- يسبحون بحمد الله .
- ويقدسون له .
- ويعبدونه .
- ولا يفترون عن عبادته .
- هذه الحيرة والدهشة .
- التي ثارت في نفوس الملائكة .
- بعد معرفة خبر خلق آدم.
- أمر جائز على الملائكة .
- ولا ينقص من أقدارهم شيئا .
- لأنهم رغم قربهم من الله .
- وعبادتهم له .
- وتكريمه لهم .
- لا يزيدون على كونهم عبيدا لله .
- لا يشتركون معه في علمه .
- ولا يعرفون حكمته الخافية .
- ولا يعلمون الغيب .
- لقد خفيت عليهم حكمة الله تعالى .
- في بناء هذه الأرض وعمارتها .
- وفي تنمية الحياة .
- وفي تحقيق إرادة الخالق .
- في تطويرها وترقيتها وتعديلها .
- على يد خليفة الله في أرضه .
- هذا الذي قد يفسد أحيانا .
- وقد يسفك الدماء أحيانا .
- عندئذ جاءهم القرار .
- من العليم بكل شيء .
- والخبير بمصائر الأمور:
- إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ .
- وما ندري نحن .
- كيف قال الله .
- أو كيف يقول للملائكة .
- وما ندري كذلك .
- كيف يتلقى الملائكة عن الله .
- فلا نعلم عنهم سوى ما بلغنا .
- من صفاتهم في كتاب الله .
- ولا حاجة بنا إلى الخوض .
- في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه .
- إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها
- كما يقصها القرآن .
- أدركت الملائكة .
- أن الله سيجعل في الأرض خليفة .
- وأصدر الله سبحانه وتعالى .
- أمره إليهم تفصيلا .
- فقال إنه سيخلق بشرا من طين .
- فإذا سواه ونفخ فيه من روحه .
- فيجب على الملائكة أن تسجد له .
- والمفهوم أن هذا سجود .
- تكريم لا سجود عبادة .
- لأن سجود العبادة .
- لا يكون إلا لله وحده.
- جمع الله سبحانه وتعالى .
- قبضة من تراب الأرض .
- فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر .
- ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة .
- ومزج الله تعالى .
- التراب بالماء .
- فصار صلصالا من حمأ مسنون .
- تعفن الطين وانبعثت له رائحة .
- وكان إبليس يمر عليه .
- فيعجب أي شيء يصير هذا الطين .
سجود الملائكة لآدم:
- من هذا الصلصال .
- خلق الله تعالى آدم .
- سواه بيديه سبحانه .
- ونفخ فيه من روحه سبحانه .
- فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة . .
- فتح آدم عينيه .
- فرأى الملائكة كلهم .
- ساجدين له .
- ما عدا إبليس .
- الذي كان يقف مع الملائكة .
- ولكنه لم يكن منهم .
- لم يسجد .
- فهل كان إبليس من الملائكة .
- الظاهر أنه لا .
- لأنه لو كان من الملائكة ما عصى . .
- فالملائكة .
- لا يعصون الله ما أمرهم .
- ويفعلون ما يؤمرون .
- وسيجيئ أنه خلق من نار .
- والمأثور أن الملائكة خلق من نور .
- ولكنه كان مع الملائكة .
- وكان مأموراً بالسجود .
- أما كيف كان السجود .
- وأين ومتى .
- كل ذلك في علم الغيب عند الله .
- ومعرفته لا تزيد في مغزى القصة شيئاً.
- فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس :
- (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ)
- فردّ بمنطق يملأه الحسد :
- (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ .
- هنا صدر الأمر .
- الإلهي العالي .
- بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح .
- : قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ .
- وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين .
- ولا نعلم ما المقصود .
- بقوله سبحانه(مِنْهَا( .
- فهل هي الجنة .
- أم هل هي رحمة الله .
- هذا وذلك جائز .
- ولا محل للجدل الكثير .
- فإنما هو الطرد واللعنة والغضب .
- جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم .
- قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) .
- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85) .
- هنا تحول الحسد إلى حقد .
- وإلى تصميم .
- على الانتقام في نفس إبليس :
- (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
- واقتضت مشيئة الله .
- للحكمة المقدرة في علمه .
- أن يجيبه إلى ما طلب .
- وأن يمنحه الفرصة التي أراد .
- فكشف الشيطان .
- عن هدفه الذي ينفق فيه حقده :
- قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ .
- ويستدرك فيقول :
- إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين .
- فليس للشيطان أي سلطان .
- على عباد الله المؤمنين .
- وبهذا تحدد منهجه .
- وتحدد طريقه .
- إنه يقسم بعزة الله .
- ليغوين جميع الآدميين .
- لا يستثني .
- إلا من ليس له عليهم سلطان .
- لا تطوعاً منه .
- ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم .
- وبهذا يكشف .
- عن الحاجز بينه .
- وبين الناجين من غوايته وكيده .
- والعاصم الذي يحول بينهم وبينه .
- إنه عبادة الله .
- التي تخلصهم لله .
- هذا هو طوق النجاة .
- وحبل الحياة .
- وكان هذا وفق إرادة الله .
- وتقديره في الردى والنجاة .
- فأعلن (سبحانه) إرادته .
- وحدد المنهج والطريق :
- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
- فهي المعركة إذن بين الشيطان .
- وأبناء آدم .
- يخوضونها على علم .
- والعاقبة مكشوفة .
- لهم في وعد الله الصادق .
- الواضح المبين .
- وعليهم تبعة ما يختارون .
- لأنفسهم بعد هذا البيان .
- وقد شاءت رحمة الله .
- ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين .
- فأرسل إليهم المنذرين .
تعليم آدم الأسماء:
- ثم يروي القرآن الكريم .
- قصة السر الإلهي العظيم .
- الذي أودعه الله هذا الكائن البشري .
- وهو يسلمه مقاليد الخلافة .
- وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا .
- سر القدرة .
- على الرمز بالأسماء للمسميات .
- سر القدرة على تسمية الأشخاص .
- والأشياء بأسماء يجعلها .
- وهي ألفاظ منطوقة .
- رموزا لتلك الأشخاص .
- والأشياء المحسوسة .
- وهي قدرة ذات قيمة كبرى .
- في حياة الإنسان على الأرض .
- ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى .
- لو لم يوهب الإنسان القدرة .
- على الرمز بالأسماء للمسميات .
- والمشقة في التفاهم والتعامل .
- حين يحتاج كل فرد .
- لكي يتفاهم مع الآخرين .
- على شيء أن يستحضر هذا الشيء .
- بذاته أمامهم .
- ليتفهموا بشأنه .
- الشأن شأن نخلة .
- فلا سبيل إلى التفاهم .
- عليه إلا باستحضار جسم النخلة .
- الشأن شأن جبل .
- فلا سبيل إلى التفاهم عليه .
- إلا بالذهاب إلى الجبل .
- الشأن شأن فرد من الناس .
- فلا سبيل إلى التفاهم عليه .
- إلا بتحضير هذا الفرد من الناس .
- إنها مشقة هائلة .
- لا تتصور معها حياة .
- وإن الحياة ما كانت لتمضي .
- في طريقها لو لم يودع الله .
- هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات .
- أما الملائكة .
- فلا حاجة لهم بهذه الخاصية .
- لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم .
- ومن ثم لم توهب لهم .
- فلما علم الله آدم هذا السر .
- وعرض عليهم ما عرض .
- لم يعرفوا الأسماء .
- لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية
- للأشياء والشخوص .
- وجهروا أمام هذا العجز .
- بتسبيح ربهم .
- والاعتراف بعجزهم .
- والإقرار بحدود علمهم .
- وهو ما علمهم .
- ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء .
- ثم كان هذا التعقيب .
- الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم :
- (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) .
- أراد الله تعالى .
- أن يقول للملائكة إنه عَـلِـم .
- ما أبدوه من الدهشة .
- حين أخبرهم أنه سيخلق آدم .
- كما علم ما كتموه من الحيرة .
- في فهم حكمة الله .
- كما علم ما أخفاه .
- إبليس من المعصية والجحود .
- أدرك الملائكة .
- أن آدم هو المخلوق الذي يعرف .
- وهذا أشرف شيء فيه .
- قدرته على التعلم والمعرفة .
- كما فهموا السر .
- في أنه سيصبح خليفة في الأرض .
- يتصرف فيها ويتحكم فيها .
- بالعلم والمعرفة .
- معرفة بالخالق .
- وهذا ما يطلق عليه .
- اسم الإيمان أو الإسلام .
- وعلم بأسباب استعمار الأرض .
- وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها
- ويدخل في هذا النطاق .
- كل العلوم المادية على الأرض.
- إن نجاح الإنسان .
- في معرفة هذين الأمرين .
- (الخالق وعلوم الأرض) .
- يكفل له حياة أرقى .
- فكل من الأمرين مكمل للآخر.
سكن آدم وحواء في الجنة:
- كان آدم يحس الوحدة .
- فخلق الله حواء من أحد منه .
- فسمّاها آدم حواء.
- وأسكنهما الجنة.
- لا نعرف مكان هذه الجنة .
- فقد لم يرد في القرآن عن مكانها .
- واختلف المفسرون فيها .
- على خمسة وجوه .
- قال بعضهم :
- إنها جنة المأوى .
- وأن مكانها السماء .
- ونفى بعضهم ذلك .
- لأنها لو كانت جنة المأوى .
- لحرم دخولها .
- على إبليس .
- ولما جاز فيها وقوع عصيان .
- وقال آخرون
- : إنها جنة المأوى .
- خلقها الله لآدم وحواء .
- وقال غيرهم :
- إنها جنة من جنات الأرض .
- تقع في مكان مرتفع .
- وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف .
- ونحن نختار هذا الرأي .
- إن العبرة التي نستخلصها .
- من مكانها .
- لا تساوي شيئا بالقياس .
- إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.
- لم يعد يحس آدم الوحدة .
- كان يتحدث مع حواء كثيرا .
- وكان الله قد سمح لهما .
- بأن يقتربا من كل شيء .
- وأن يستمتعا بكل شيء .
- ما عدا شجرة واحدة.
- فأطاع آدم وحواء .
- أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة
- . غير أن آدم إنسان .
- والإنسان ينسى .
- وقلبه يتقلب .
- وعزمه ضعيف .
- واستغل إبليس إنسانية آدم .
- وجمع كل حقده في صدره .
- واستغل تكوين آدم النفسي .
- وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم
- راح يوسوس إليه يوما بعد يوم :
- (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) .
- تسائل أدم بينه وبين نفسه .
- ماذا يحدث لو أكل من الشجرة .
- ربما تكون شجرة الخلد حقا .
- وكل إنسان يحب الخلود .
- ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير .
- في هذه الشجرة .
- ثم قررا يوما أن يأكلا منها .
- نسيا أن الله حذرهما .
- من الاقتراب منها .
- نسيا أن إبليس عدوهما القديم .
- ومد آدم يده إلى الشجرة .
- وقطف منها إحدى الثمار .
- وقدمها لحواء .
- وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة.
- ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود
- من إغواء حواء لآدم .
- وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة
- إن نص القرآن لا يذكر حواء .
- إنما يذكر آدم .
- كمسئول عما حدث عليه الصلاة والسلام
- وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم .
- أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء .
- وأخطأ آدم بسبب الفضول.
- لم يكد آدم ينتهي من الأكل .
- حتى اكتشف أنه أصبح عار .
- وأن زوجته عارية .
- وبدأ هو وزوجته .
- يقطعان أوراق الشجر .
- لكي يغطي .
- بهما كل واحد منهما جسده العاري.
- وأصدر الله تبارك وتعالى .
- أمره بالهبوط من الجنة.
هبوط آدم وحواء إلى الأرض:
- وهبط آدم وحواء إلى الأرض.
- واستغفرا ربهما وتاب إليه
- فأدركته رحمة ربه .
- التي تدركه دائما .
- عندما يتوب إليها ويلوذ بها .
- وأخبرهما الله أن الأرض .
- هي مكانهما الأصلي .
- يعيشان فيهما .
- ويموتان عليها .
- ويخرجان منها يوم البعث.
- يتصور بعض الناس .
- أن خطيئة آدم .
- بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة .
- ولولا هذه الخطيئة .
- لكنا اليوم هناك .
- وهذا التصور غير منطقي .
- لأن الله تعالى حين شاء .
- أن يخلق آدم قال للملائكة :
- (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) .
- ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة .
- لم يكن هبوط آدم إلى الأرض .
- هبوط إهانة .
- وإنما كان هبوط كرامة .
- كما يقول العارفون بالله
- . كان الله تعالى يعلم .
- أن آدم وحواء .
- سيأكلان من الشجرة .
- ويهبطان إلى الأرض.
- أما تجربة السكن في الجنة .
- فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض
- ليعلم آدم وحواء .
- ويعلم جنسهما من بعدهما .
- أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة .
- وأن الطريق إلى الجنة .
- يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.
هابيل وقابيل:
- لا يذكر لنا المولى عزّ وجلّ .
- في كتابه الكريم الكثير .
- عن حياة آدم عليه السلام في الأرض
- لكن القرآن الكريم .
- يروي قصة ابنين من أبناء آدم .
- هما هابيل وقابيل . حي
- وقعت أول جريمة قتل في الأرض .
- وكانت قصتهما كالتالي.
- كانت حواء تلد في البطن الواحد .
- ابنا وبنتا .
- وفي البطن التالي .
- ابنا وبنتا .
- فيحل زواج .
- ابن البطن الأول من البطن الثاني.
- ويقال أن قابيل .
- كان يريد زوجة هابيل لنفسه.
- فأمرهما آدم .
- أن يقدما قربانا .
- فقدم كل واحد منهما قربانا .
- فتقبل الله من هابيل .
- ولم يتقبل من قابيل.
- قال تعالى في سورة (المائدة):
- (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (27)
- (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (28) .
- لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى .
- كلمات القتيل الشهيد .
- وتجاهل تماما كلمات القاتل .
- عاد القاتل يرفع يده مهددا .
- قال القتيل في هدوء:
- (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ) (29) (المائدة) .
- انتهى الحوار بينهما .
- وانصرف الشرير .
- وترك الطيب مؤقتا .
- بعد أيام .
- كان الأخ الطيب نائما .
- وسط غابة مشجرة.
- فقام إليه أخوه قابيل فقتله.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها .
- لأنه كان أول من سن القتل .
- جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض.
- كان هذا الأخ القتيل .
- أول إنسان يموت على الأرض .
- ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد .
- وحمل الأخ جثة شقيقه .
- وراح يمشي بها.
- ثم رأى القاتل غرابا حيا .
- بجانب جثة غراب ميت .
- وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض .
- وساوى أجنحته إلى جواره .
- وبدأ يحفر الأرض بمنقاره .
- ووضعه برفق في القبر .
- وعاد يهيل عليه التراب .
- بعدها طار في الجو وهو يصرخ .
- اندلع حزن قابيل .
- على أخيه هابيل .
- كالنار فأحرقه الندم .
- اكتشف أنه وهو الأسوأ والأضعف .
- قد قتل الأفضل والأقوى .
- نقص أبناء آدم واحدا .
- وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم .
- واهتز جسد القاتل ببكاء عنيف .
- ثم أنشب أظافره في الأرض .
- وراح يحفر قبر شقيقه.
- قال آدم حين عرف القصة :
- (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ) .
- وحزن حزنا شديدا .
- على خسارته في ولديه .
- مات أحدهما .
- وكسب الشيطان الثاني .
- صلى آدم على ابنه .
- وعاد إلى حياته على الأرض :
- إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه .
- ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده .
- ويحدثهم عن الله .
- ويدعوهم إليه .
- ويحكي لهم عن إبليس .
- ويحذرهم منه.
- ويروي لهم قصته .
- هو نفسه معه .
- ويقص لهم قصته مع ابنه .
- الذي دفعه لقتل شقيقه.
موت آدم عليه السلام:
- وكبر آدم .
- ومرت سنوات وسنوات .
- وعن فراش موته .
- يروي أبي بن كعب .
- فقال : إن آدم لما حضره الموت .
- قال لبنيه :
- أي بني .
- إني أشتهي من ثمار الجنة .
- قال : فذهبوا يطلبون له .
- فاستقبلتهم الملائكة .
- ومعهم أكفانه وحنوطه .
- ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل .
- فقالوا لهم : يا بني آدم .
- ما تريدون وما تطلبون .
- أو ما تريدون وأين تطلبون .
- قالوا : أبونا مريض .
- واشتهى من ثمار الجنة .
- فقالوا لهم :
- ارجعوا فقد قضي أبوكم .
- فجاءوا فلما رأتهم حواء .
- عرفتهم فلاذت بآدم .
- فقال : إليك عني .
- فإني إنما أتيت من قبلك .
- فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل
- فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه .
- وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه .
- ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره .
- ثم حثوا عليه .
- ثم قالوا : يا بني آدم هذه سنتكم.
- وفي موته يروي الترمذي :
- حدثنا عبد بن حميد حدثنا أبو نعيم حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : )لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة .
- وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور .
- ثم عرضهم على آدم فقال :
- أي رب من هؤلاء .
- قال: هؤلاء ذريتك .
- فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه
- فقال : أي رب من هذا .
- قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود .
- قال : رب وكم جعلت عمره .
- قال ستين سنة .
- قال : أي رب زده من عمري أربعين سنة .
- فلما انقضى عمر آدم .
- جاءه ملك الموت .
- قال : أو لم يبق من عمري أربعون سنة
- قال : أو لم تعطها ابنك داود .
- قال فجحد فجحدت ذريته .
- ونسي آدم فنسيت ذريته .
- وخطئ آدم فخطئت ذريته)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانياً : شيث عليه السلام:
تولا بعد والده آدم عليه السلام
- : شيث في التاريخ الإسلامي
- لايوجد ذكر لشخصية شيث .
- في القرآن .
- حيث تذكره الأحاديث النبوية .
- والتقاليد الإسلامية .
- على أنه الابن الثالث .
- والبار لأبويه آدم وحواء .
- ويرى على أنه هبة .
- من الله لعبده آدم .
- بعد صبره على فقدان هابيل .
- دوّن المؤرخ والفقيه السني .
- ابن كثير في كتابه البداية والنهاية .
- أن شيث نبي كأبيه آدم عليه السلام .
- حمل رسالة الدعوة بعد وفاة والده .
- إلى البشرية .
- ويصنفه بين آباء ما قبل الطوفان الصالحين .
- من أبناء آدم .
- وتشير بعض المصادر .
- أن شيث قد تلقى الصحف الأولى .
- المذكورة في سورة الأعلى .
- من القرآن :
- (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى) (18. (
- (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (19) .
- ويذكر الطبري وأئمة آخرون .
- أن شيث قد دفن آدم .
- ودفن معه النصوص المقدسة .
- في قبر آدم (قبر الكنوز) .
- يبين الأدب الإسلامي .
- أن شيث وُلد عندما تعدى عمر آدم عليه السلام .
- المئة سنة .
- وأن آدم عيّن شيثًا .
- لحمل أعباء الرسالة .
- وقيادة أبناء آدم الأولين .
- وقد أورد المؤرخ والمترجم السوري الدمشقي أبو الوفاء المبشر بن فاتق .
- صاحب كتاب مختار الحكم ومحاسن الكلم فصلًا كاملًا عن (شيث) .
- ويذكر كذلك في الرواية الإسلامية .
- أن شيثًا أوتي الحكمة .
- فعلم موعد الطوفان العظيم .
- وطريقة آداء الصلاة الليلية .
- يعود نسب البشرية حسب اليهودية والمسيحية والإسلام .
- إلى شيث .
- حيث لم يخلف هابيل أي بنين .
- وأبناء قابيل .
- لقوا حتفهم في الطوفان العظيم .
- وذلك حسب الرواية الإسلامية .
- وتذكر الروايات .
- أيضًا أن عدة حرف تقليدية إسلامية .
- تعود إلى شيث .
- مثل صناعة الأمشاط .
- من قرون الحيوانات .
- يؤدي (شيث) دورًا كبيرًا في التصوف .
- وأورد ابن العربي في كتابه .
- (فصوص الحكم) .
- فصلًا عن (شيث) .
- أسماه (حكمة الانتهاء في كلمة شيث).
- يتموقع قبر (شيث) .
- في بلدة النبي (شيث) .
- في جبال وادي البقاع في لبنان .
- حيث يوجد مسجد باسمه .
- وصفه الجغرافي (ابن جبير) .
- في القرن الثاني عشر .
- وفي روايات أخرى .
- من جغرافيي القرون الوسطى .
- العرب الذين عاشوا .
- منذ القرن الثالث عشر .
- فيها يصفون وجود قبر النبي (شيث).
- في بلدة (بشيت) جنوب غرب بلدة الرملة
- وحسب صندوق استكشاف فلسطين فلفظ (بشيت) يعني (بيت شيت) .
- وقد هُجِّرٙ سكانها عام 1948م .
- مع تأسيس إسرائيل .
- ولكن نجت القبب الثلاث .
- التي يقال أنها قبر (لشيث) .
- في موشاف أسيريت .
- ويقول (ابن كثير) .
- في كتابه البداية والنهاية :
- (لما مات آدم قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث .
- وكان نبيًا .
- ومعنى شيث :
- هبة الله .
- وسمياه بذلك .
- لأنهما رزقاه .
- بعد أن قَتَل قابيل أخاه هابيل .
- فلما حانت وفاته .
- أوصى إلى ابنه (أنوش) .
- بالخلافة .
- ثم بعده ولده (قينان) .
- ثم من بعده ابنه (مهلائيل) .
- وهو (أي مهلاييل) .
- الذي يزعم الأعاجم .
- من الفرس .
- أنه ملك الأقاليم السبعة .
- وأنه أول من قطع الأشجار .
- وبنى المدائن والحصون الكبار .
- وأنه هو الذي بنى مدينة بابل .
- ومدينة السوس الأقصى .
- وأنه قهر إبليس وجنوده .
- وشردهم عن الأرض .
- إلى أطرافها وشعاب جبالها .
- وأنه قتل خلقًا من مردة الجن والغيلان.
- وكان له تاج عظيم .
- وكان يخطب الناس .
- ودامت دولته أربعين سنة .
- فلما مات بعد (912) عامًا .
- قام بالأمر بعده ولده (يارد) .
- فلما حضرته الوفاة .
- أوصى إلى ولده (خنوخ) .
- وهو (إدريس) على المشهور .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً : إدريس عَلَيْهِ السَّلام:
أَوَّلَ بَنِي آدَمَ أُعْطِيَ النُّبُوَّةَ بَعْدَ آدَمَ وَشِيثَ بحسب التقاليد الدينيّة
- : نبي
- من أنبياء الله :
نسـبه :
- في التوراة هو .
- (أخنوخ) بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم .
- كما في سفر التكوين .
- وقيل هو إدريس بن يارد بن مهلائيل.
- وينتهي نسبه إلى شيث بن آدم .
- واسمه عند العبرانيين (خنوخ) .
- وفي الترجمة العربية (أخنوخ) .
- وهو من أجداد نوح .
- ذكر ابن الجوزي نسبه الكامل :
- إدريس عَلَيْهِ السَّلام .
- واسمه خنوخ بْن يرد بْن مهلائيل بْن قينان بْن أنوش بْن شيث بْن آدَم .
- قَالَ الزُّبَيْر بْن بكار :
- وَهُوَ إد .
- إدريس بْن اليارد بْن مهلائيل بْن قينان بْن الطاهر بْن هبه .
- وَهُوَ شيث بْن آدَم .
- وإنما قيل لَهُ إدريس .
- لأنه أول من درس الوحي المكتوب .
إدريس في الإسلام :
- ذكره القرآن باسمه في سورة مريم الآيتين 56 و57 حيث قال تعالى :
- (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا) (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) .
- (إدريس) .
- هو أحد الأنبياء .
- الذين أخبر الله عنهم في القرآن .
- حيث ذكر صراحة أنه نبي .
- وهو ممن يجب الإيمان بهم تفصيلاً .
- أي يجب اعتقاد نبوته على سبيل القطع والجزم .
- لأن القرآن قد ذكره بالاسم .
- وحدّث عن شخصيته فوصفه بالنبوة والصديقية .
- وهو أول بني آدم أُعطي النبوة .
- بعد آدم وشيث .
- وذكر ابن إسحاق .
- أنه أول من خطَّ بالقلم .
- وقد أدرك من حياة آدم .
- ثلاثمائة سنة وثماني سنين .
- وقد قال طائفة من الناس .
- أنه المُشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي .
- لما سأل الرسول (محمد) صل الله عليه وسلم .
- عن الخط بالرمل فقال :
- (قد كان نبيٌّ مِن الأنبياءِ يخُطُّ فمَن وافَق خطَّه فذاك) .
- تحدث النبي (محمد) صل الله عليه وسلم .
- عن لقاءه (إدريس) .
- في السماء الرابعة .
- أثناء المعراج في رحلة الإسراء والمعراج .
هل إدريس هو إلياس :
- ذهب بعض العلماء من الصحابة ومن بعدهم إلى أنهما .
- أي إلياس وإدريس .
- اسمان لنبي واحد .
- وأن إلياس هو إدريس وإدريس هو إلياس .
- قال يقول ابن كثير في قصص الأنبياء
- إدريس .
- قال البخاري .
- ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس .
- أن إلياس هو إدريس واستأنسوا .
- في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء .
- أنه لما مر به أي بإدريس .
- قال له مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح ولم يقل .
- كما قال آدم وإبراهيم .
- مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح .
- قالوا فلو كان في عمود نسبه .
- لقال له كما قالا له .
- وهذا ما ذهب إليه الضحاك بن مزاحم.
- وحكاه قتادة بن دعامة ومحمد بن إسحاق .
- وكان عبد الله بن مسعود يقرأ (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)(130. (
- فيقول : ﴿سَلامٌ عَلى إدْرَاسِينَ﴾ .
- وكان يقول : إلياس هو إدريس .
- ويقرأ : (وَإِنَّ إدْرِيسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ).
- ثم يقرأ على ذلك : (سَلامٌ عَلَى إدْرَاسِينَ) .
- كما قرأ الآخرون : .
- (سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) .
- بقطع الآل من ياسين .
- وقد رجح ابن كثير .
- أنهما مختلفان .
- وأن إلياس ليس هو إدريس .
- فقال : والصحيح أنه غيره كما تقدم .
ولادته وعمره :
- وقد اختلف العلماء في مولده ونشأته.
- قال بعضهم إنه ولد في فلسطين .
- وقال بعضهم إن (إدريس) ولد ببابل .
- وقال آخرون إنه ولد بمصر وقيل غير ذلك .
- وقد أخذ في أول عمره .
- بعلم شيث بن آدم .
- وقد أدرك من حياة آدم (308) سنوات
- لأن آدم عمر طويلا زهاء ألف سنة .
- ولما كبر آتاه الله النبوة .
- فنهى المفسدين .
- من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث .
- فأطاعه نفر قليل .
- وخالفه جمع غفير .
- فنوى الرحيل عنهم .
- وأمر من أطاعه منهم .
- بذلك فثقل عليهم الرحيل .
- عن أوطانهم فقالوا له .
- وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل .
- فقال : الله رزقنا هاهنا وهو رازقنا غيره .
- فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر .
- فرأوا النيل فوقف على النيل .
- وسبح الله .
- وأقام إدريس ومن معه .
- يدعو الناس إلى الله .
- وإلى مكارم الأخلاق .
- وقد كانت مدة إقامة (إدريس) ,
- في الأرض ما يقارب ال(800) سنة .
- ثم رفعه الله إليه .
- كما ذكر القرآن .
- (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) (57) .
أعمـالـــــه :
- وكانت له مواعظ وآداب .
- فقد دعا إلى دين الله .
- وإلى عبادة الخالق جل وعلا .
- وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة .
- بالعمل الصالح في الدنيا .
- وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة .
- وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة .
- وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة.
- وحرم المسكر من كل شيء من المشروبات .
- وشدد فيه أعظم تشديد .
- وقيل إنه كان في زمانه (72) لسانا يتكلم الناس بها .
- وقد علمه الله منطقهم جميعا .
- ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم .
- وهو أول من علم السياسة المدنية .
- ورسم لقومه قواعد تمدين المدن .
- فبنت كل فرقة من الأمم .
- مدنا في أرضها .
- وأنشئت في زمانه (188) مدينة .
- ويعتقد بأنه أول من خط بالقلم .
- ودون الصحف التي أنزلت عليه .
- من الله .
- وأنه أول من خاط الثياب البيض .
- ولبسها وكان قبلها يلبسون الجلد .
وفـــــــاتـه :
عند أهل السنة والجماعة :
- وقد أختلف في موته .
- فعن ابن وهب عن جرير بن حازم عن الأعمش .
- عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال :
- سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر .
- فقال له : ما قول الله لإدريس .
- (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا)(57) .
- فقال كعب : أما (إدريس) .
- فإن الله أوحى إليه :
- أني أرفع لك كل يوم .
- مثل جميع عمل بني آدم .
- لعله من أهل زمانه .
- فأحب أن يزداد عملا .
- فأتاه خليل له من الملائكة .
- فقال له :
- إن الله أوحى إلي كذا وكذا .
- فكلم ملك الموت حتى أزداد عملا .
- فحمله بين جناحيه .
- ثم صعد به إلى السماء .
- فلما كان في السماء الرابعة .
- تلقاه ملك الموت منحدرا .
- فكلم ملك الموت .
- في الذي كلمه فيه (إدريس) .
- فقال : وأين (إدريس) .
- قال : هو ذا على ظهري .
- فقال ملك الموت : يا للعجب .
- بعثت وقيل لي اقبض روح (إدريس) .
- في السماء الرابعة .
- فجعلت أقول : كيف أقبض روحه .
- في السماء الرابعة .
- وهو في الأرض .
- فقبض روحه هناك .
- فذلك قول الله عز وجل .
- (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) .
- ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها .
- وعنده فقال لذلك الملك .
- سل لي ملك الموت كم بقي من عمري.
- فسأله وهو معه : كم بقي من عمره .
- فقال : لا أدري حتى انظر ز
- فنظر فقال :
- إنك لتسألني عن رجل ما بقي من عمره إلا طرفة عين .
- فنظر الملك إلى تحت جناحه إلى (إدريس) .
- فإذا هو قد قبض وهو لا يشعر .
- وهذا من الإسرائيليات .
- وفي بعضه نكارة .
- وقول ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله : (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) .
- قال : (إدريس) رفع .
- ولم يمت كما رفع عيسى .
- إن أراد أنه لم يمت .
- إلى الآن ففي هذا نظر .
- وإن أراد أنه رفع حيا إلى السماء .
- ثم قبض هناك .
- فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار .
- وقال العوفي عن ابن عباس في .
- قوله : (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) .
- رفع إلى السماء السادسة .
- فمات بها .
- وهكذا قال الضحاك .
- والحديث المتفق عليه .
- من أنه في السماء الرابعة أصح .
- وهو قول مجاهد وغير واحد .
- وقال الحسن البصري في قوله تعالى.
- (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا) .
- قال : إلى الجنة .
- وقال قائلون رفع .
- في حياة أبيه يرد بن مهلاييل .
- وقد زعم بعضهم .
- أن (إدريس) .
- لم يكن قبل (نو ح) بل في زمان بني إسرائيل .
- قال البخاري :
- ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس .
- أن إلياس هو (إدريس) .
- واستأنسوا في ذلك بما جاء .
- في حديث الزهري عن أنس في الإسراء :
- أنه لما مر به .
- قال : له مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .
- ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم :
- مرحبا النبي الصالح والابن الصالح .
- قالوا : فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له .
- وهذا لا يدل ولابد .
- قد لا يكون الراوي حفظه جيدا .
- أو لعله قاله على سبيل الهضم والتواضع .
- ولم ينتصب له في مقام الأبوة .
- كما انتصب لآدم أبي البشر .
- وإبراهيم الذي هو خليل الرحمن .
- وأكبر أولي العزم بعد (محمد) صلوات الله عليهم اجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعاً : نوح عليه السلام:
أن نوح تقيا صادقا أرسله الله ليهدي قومه وينذرهم عذاب الآخرة
- : عصوه وكذبوه :
- أستمر يدعوهم إلى الدين الحنيف .
- فاتبعه قليل من الناس .
- واستمر الكفرة في طغيانهم .
- فمنع الله عنهم المطر .
- ودعاهم نوح .
- أن يؤمنوا حتى يرفع الله عنهم العذاب
- فآمنوا فرفع الله عنهم العذاب .
- ولكنهم رجعوا إلى كفرهم .
- وأخذ يدعوهم (950) سنة .
- ثم أمره الله ببناء السفينة .
- وأن يأخذ معه زوجا من كل نوع .
- ثم جاء الطوفان فأغرقهم أجمعين .
سـيرته :
حال الناس قبل بعثة نوح :
- قبل أن يولد قوم نوح .
- عاش خمسة رجال صالحين .
- من أجداد قوم نوح .
- عاشوا زمنا ثم ماتوا .
- كانت أسماء الرجال الخمسة هي :
- ودَّ .
- سُواع .
- يغوث .
- يعوق .
- نسرا .
- بعد موتهم صنع الناس لهم تماثيل .
- في مجال الذكرى والتكريم .
- ومضى الزمن .
- ومات الذين نحتوا التماثيل .
- وجاء أبنائهم . ومات الأبناء .
- وجاء أبناء الأبناء .
- ثم نسجت قصصا وحكايات .
- حول التماثيل .
- تعزو لها قوة خاصة .
- واستغل إبليس الفرصة .
- وأوهم الناس .
- أن هذه تماثيل آلهة .
- تملك النفع وتقدر على الضرر .
- وبدأ الناس يعبدون هذه التماثيل .
إرسال نوح عليه السلام :
- كان نوح على الفطرة مؤمنا بالله تعالى .
- قبل بعثته إلى الناس .
- وكل الأنبياء مؤمنون بالله تعالى .
- قبل بعثتهم .
- وكان كثير الشكر لله عزّ وجلّ .
- فاختاره الله لحمل الرسالة .
- فخرج (نوح) على قومه وبدأ دعوته:
- (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)
- بهذه الجملة الموجزة .
- وضع نوح قومه أمام حقيقة الألوهية
- وحقيقة البعث .
- هناك إله خالق .
- وهو وحده الذي يستحق العبادة .
- وهناك موت .
- ثم بعث .
- ثم يوم للقيامة .
- يوم عظيم .
- فيه عذاب يوم عظيم .
- شرح (نوح) لقومه أنه يستحيل .
- أن يكون هناك غير إله واحد .
- هو الخالق .
- أفهمهم أن الشيطان .
- قد خدعهم زمنا طويلا .
- وأن الوقت قد جاء ليتوقف هذا الخداع
- حدثهم (نوح) عن تكريم الله للإنسان .
- كيف خلقه ومنحه الرزق وأعطاه نعمة العقل .
- وليست عبادة الأصنام غير ظلم خانق العقل .
- تحرك قوم نوح في اتجاهين بعد دعوته.
- لمست الدعوة قلوب الضعفاء والفقراء والبؤساء .
- وانحنت على جراحهم وآلامهم بالرحمة .
- أما الأغنياء والأقوياء والكبراء .
- تأملوا الدعوة بعين الشك .
- ولما كانوا يستفيدون من بقاء الأوضاع على ما هي عليه .
- فقد بدءوا حربهم ضد (نوح) .
- في البداية اتهموا نوحا بأنه بشر مثلهم :
- (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا) .
- قال تفسير القرطبي :
- الملأ الذين كفروا من قومه .
- هم الرؤساء الذين كانوا في قومه .
- يسمون الملأ .
- لأنهم مليئون بما يقولون .
- قال هؤلاء الملأ لنوح :
- أنت بشر يا نوح .
- رغم أن نوحا لم يقل غير ذلك .
- وأكد أنه مجرد بشر .
- والله يرسل إلى الأرض .
- رسولا من البشر .
- لأن الأرض يسكنها البشر .
- ولو كانت الأرض تسكنها الملائكة .
- لأرسل الله رسولا من الملائكة .
- استمرت الحرب بين الكافرين ونوح .
- في البداية .
- تصور الكفرة يومها .
- أن دعوة (نوح) لا تلبث أن تنطفئ وحدها .
- فلما وجدوا الدعوة تجتذب الفقراء والضعفاء وأهل الصناعات البسيطة .
- بدئوا الهجوم على (نوح) من هذه الناحية .
- هاجموه في أتباعه .
- وقالوا له :
- لم يتبعك غير الفقراء والضعفاء والأراذل .
- هكذا اندلع الصراع بين (نوح) .
- ورؤساء قومه .
- ولجأ الذين كفروا إلى المساومة .
- قالوا لنوح : اسمع يا نوح :
- إذا أردت أن نؤمن لك .
- فاطرد الذين آمنوا بك .
- إنهم ضعفاء وفقراء .
- ونحن سادة القوم وأغنياؤهم .
- ويستحيل أن تضمنا دعوة واحدة مع هؤلاء .
- واستمع (نوح) إلى كفار قومه .
- وأدرك أنهم يعاندون .
- ورغم ذلك كان طيبا في رده .
- أفهم قومه أنه لا يستطيع أن يطرد المؤمنين .
- لأنهم أولا ليسوا ضيوفه .
- إنما هم ضيوف الله .
- وليست الرحمة بيته الذي يدخل فيه من يشاء أو يطرد منه من يشاء .
- إنما الرحمة بيت الله الذي يستقبل فيه من يشاء .
- كان (نوح) يناقش كل حجج الكافرين
- بمنطق الأنبياء الكريم الوجيه .
- وهو منطق الفكر الذي يجرد نفسه من الكبرياء الشخصي وهوى المصالح الخاصة .
- قال لهم إن الله قد آتاه الرسالة والنبوة والرحمة .
- ولم يروا هم ما آتاه الله .
- وهو بالتالي لا يجبرهم على الإيمان برسالته وهم كارهون .
- إن كلمة (لا إله إلا الله) لا تفرض على أحد من البشر .
- أفهمهم أنه لا يطلب منهم مقابلا لدعوته .
- لا يطلب منهم مالا فيثقل عليهم .
- إن أجره على الله .
- هو الذي يعطيه ثوابه .
- أفهمهم أنه لا يستطيع أن يطرد الذين آمنوا بالله .
- وأن له حدوده كنبي .
- وحدوده لا تعطيه حق طرد المؤمنين لسببين :
- أنهم سيلقون الله مؤمنين به فكيف يطرد مؤمنا بالله .
- ثم أنه لو طردهم لخاصموه عند الله .
- ويجازي من طردهم .
- فمن الذي ينصر نوحا من الله لو طردهم .
- وهكذا انتهى (نوح) إلى أن مطالبة قومه له بطرد المؤمنين جهل منهم .
- وعاد (نوح) يقول لهم أنه لا يدعى لنفسه أكثر مما له من حق .
- وأخبرهم بتذللـه وتواضعه لله عز وجل .
- فهو لا يدعي لنفسه ما ليس له من خزائن الله .
- وهي إنعامه على من يشاء من عباده.
- وهو لا يعلم الغيب .
- لأن الغيب علم اختص الله تعالى وحده به .
- أخبرهم أيضا أنه ليس ملكا .
- بمعنى أن منزلته ليست كمنزلة الملائكة
- قال لهم نوح :
- إن الذين تزدري أعينكم وتحتقر وتستثقل .
- إن هؤلاء المؤمنين الذي تحتقرونهم لن تبطل أجورهم وتضيع لاحتقاركم لهم .
- الله أعلم بما في أنفسهم .
- هو الذي يجازيهم عليه ويؤاخذهم به.
- أظلم نفسي لو قلت إن الله لن يؤتيهم خيرا .
- وسئم الملأ يومها من هذا الجدل الذي يجادله نوح .
- حكى الله موقفهم منه في سورة (هود):
(قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (32) .
(قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) (33) .
(وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (34) (هود) .
- أضاف (نوح) إغواءهم إلى الله تعالى.
- تسليما بأن الله هو الفاعل في كل حال.
- غير أنهم استحقوا الضلال بموقفهم الاختياري وملئ حريتهم وكامل إرادتهم .
- فالإنسان صانع لأفعاله ولكنه محتاج في صدورها عنه إلى ربه .
- بهذه النظرة يستقيم معنى مساءلة الإنسان عن أفعاله .
- كل ما في الأمر أن الله ييسر كل مخلوق لما خلق له .
- سواء أكان التيسير إلى الخير أم إلى الشر .
- وهذا من تمام الحرية وكمالها .
- يختار الإنسان بحريته فييسر له الله تعالى طريق ما اختاره .
- اختار كفار قوم (نوح) طريق الغواية فيسره الله لهم .
- وتستمر المعركة .
- وتطول المناقشة بين الكافرين من قوم (نوح) وبينه إذا انهارت كل حجج الكافرين ولم يعد لديهم ما يقال .
- بدءوا يخرجون عن حدود الأدب ويشتمون نبي الله :
- (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) (60) (الأعراف) .
- ورد عليهم نوح بأدب الأنبياء العظيم:
- (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) (61) أ(ُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (62) .
- ويستمر (نوح) في دعوة قومه إلى (الله) ساعة بعد ساعة .
- ويوما بعد يوم وعاما بعد عام ومرت الأعوام ونوح يدعو قومه .
- كان يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهرا.
- يضرب لهم الأمثال .
- ويشرح لهم الآيات ويبين لهم قدرة الله في الكائنات .
- وكلما دعاهم إلى الله فروا منه .
- وكلما دعاهم ليغفر الله لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا .
- عن سماع الحق .
- واستمر (نوح) يدعو قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما .
- وكان يلاحظ أن عدد المؤمنين لا يزيد.
- بينما يزيد عدد الكافرين .
- وحزن نوح غير أنه لم يفقد الأمل .
- وظل يدعو قومه ويجادلهم .
- وظل قومه على الكبرياء والكفر والتبجح .
- وحزن (نوح) على قومه .
- لكنه لم يبلغ درجة اليأس .
- ظل محتفظا بالأمل طوال (950) سنة.
- ويبدو أن أعمار الناس قبل الطوفان كانت طويلة .
- وربما يكون هذا العمر الطويل لنوح معجزة خاصة له .
- وجاء يوم أوحى الله إليه .
- أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن.
- أوحى الله إليه ألا يحزن عليهم .
- ساعتها دعا (نوح) على الكافرين بالهلاك :
- (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) (26) (نوح) .
- برر نوح دعوته بقوله :
- (إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) (26) .
الطوفان :
- ثم أصدر الله تعالى .
- حكمه على الكافرين بالطوفان .
- أخبر الله تعالى عبده نوحا .
- أنه سيصنع سفينة .
- (بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) أي بعلم الله وتعليمه.
- وعلى مرأى منه وطبقا لتوجيهاته ومساعدة الملائكة .
- أصدر الله تعالى أمره إلى نوح :
- (وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ) .
- يغرق الله الذين ظلموا مهما كانت أهميتهم أو قرابتهم للنبي .
- وينهى الله نبيه .
- أن يخاطبه أو يتوسط لهم .
- وبدأ نوح يغرس الشجر ويزرعه ليصنع منه السفينة .
- انتظر سنوات .
- ثم قطع ما زرعه .
- وبدأ نجارته .
- كانت سفينة عظيمة الطول والارتفاع والمتانة .
- وقد اختلف المفسرون في حجمها وهيئتها وعدد طبقاتها ومدة عملها .
- والمكان الذي عملت فيه ومقدار طولها وعرضها .
- على أقوال متعارضة لم يصح منها شيء .
- وقال الفخر الرازي في هذا كله :
- أعلم أن هذه المباحث لا تعجبني .
- لأنها أمور لا حاجة إلى معرفتها البتة.
- ولا يتعلق بمعرفتها فائدة أصلا .
- نحن نتفق مع الرازي في مقولته هذه.
- فنحن لا نعرف عن حقيقة هذه السفينة إلا ما حدثنا الله به .
- تجاوز الله تعالى هذه التفصيلات التي لا أهمية لها .
- إلى مضمون القصة ومغزاها المهم .
- بدأ نوح يبني السفينة .
- ويمر عليه الكفار فيرونه منهمكا في صنع السفينة .
- والجفاف سائد وليست هناك أنهار قريبة أو بحار .
- كيف ستجري هذه السفينة .
- إذن يا نوح .
- هل ستجري على الأرض .
- أين الماء الذي يمكن أن تسبح فيه سفينتك .
- لقد جن نوح .
- وترتفع ضحكات الكافرين وتزداد سخريتهم من نوح .
- وكانوا يسخرون منه قائلين :
- صرت نجارا بعد أن كنت نبيا .
- إن قمة الصراع في قصة نوح .
- تتجلى في هذه المساحة الزمنية .
- إن الباطل يسخر من الحق .
- يضحك عليه طويلا .
- متصورا أن الدنيا ملكه .
- وأن الأمن نصيبه .
- وأن العذاب غير واقع .
- غير أن هذا كله مؤقت بموعد حلول الطوفان .
- عندئذ يسخر المؤمنون من الكافرين وتكون سخريتهم هي الحق .
- انتهى صنع السفينة .
- وجلس نوح ينتظر أمر الله .
- أوحى الله إلى نوح أنه إذا فار التنور .
- هذا علامة على بدء الطوفان .
- قيل في تفسير التنور .
- أنه بركان في المنطقة .
- وقيل أن الفرن الكائن في بيت نوح .
- إذا خرج منه الماء وفار كان هذا أمرا لنوح بالحركة .
- وجاء اليوم الرهيب فار التنور .
- وأسرع نوح يفتح سفينته .
- ويدعو المؤمنين به .
- وهبط جبريل عليه السلام إلى الأرض.
- حمل نوح إلى السفينة .
- من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين .
- بقرا وثورا فيلا وفيلة عصفورا وعصفور نمرا ونمرة .
- إلى آخر المخلوقات .
- كان نوح قد صنع أقفاصا للوحوش وهو يصنع السفينة .
- وساق جبريل عليه السلام .
- أمامه من كل زوجين اثنين .
- لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض .
- وهذا معناه أن الطوفان أغرق الأرض كلها .
- فلولا ذلك ما كان هناك معنى لحمل هذه الأنواع من الحيوان والطير .
- وبدأ صعود السفينة .
- صعدت الحيوانات والوحوش والطيور.
- وصعد من آمن بنوح وكان عدد المؤمنين قليلا .
- لم تكن زوجة نوح مؤمنة به .
- فلم تصعد .
- وكان أحد أبنائه يخفي كفره ويبدي الإيمان أمام نوح .
- فلم يصعد هو الآخر .
- وكانت أغلبية الناس غير مؤمنة هي الأخرى .
- فلم تصعد .
- وصعد المؤمنون .
- قال ابن عباس رضي الله عنهما :
- آمن من قوم نوح ثمانون إنسانا .
- ارتفعت المياه من فتحات الأرض .
- انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميات لم تر مثلها الأرض .
- فالتقت أمطار السماء بمياه الأرض .
- وصارت ترتفع ساعة بعد ساعة .
- فقدت البحار هدوئها وانفجرت أمواجها تجور على اليابسة .
- وتكتسح الأرض .
- وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه .
- ارتفعت المياه أعلى من الناس .
- تجاوزت قمم الأشجار وقمم الجبال .
- وغطت سطح الأرض كله .
- وفي بداية الطوفان نادى نوح ابنه .
- كان ابنه يقف بمعزل منه .
- ويحكي لنا المولى عز وجل .
- الحوار القصير الذي دار بين نوح عليه السلام وابنه .
- قبل أن يحول بينهما الموج فجأة .
- نادى نوح ابنه قائلا :(يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) .
- ورد الابن عليه : (قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء) .
- عاد نوح يخاطبه :
- (قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ) .
- وانتهى الحوار بين نوح وابنه :
- (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) .
- انظر إلى تعبير القرآن الكريم :
- (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ) .
- أنهى الموج حوارهما فجأة .
- نظر نوح فلم يجد ابنه .
- لم يجد غير جبال الموج التي ترتفع وترفع معها السفينة .
- وتفقدها رؤية كل شيء غير المياه .
- وشاءت رحمة الله أن يغرق الابن بعيدا عن عين الأب .
- رحمة منه بالأب .
- واعتقد نوح أن ابنه المؤمن تصور .
- أن الجبل سيعصمه من الماء فغرق .
- واستمر الطوفان استمر يحمل سفينة نوح .
- بعد ساعات من بدايته .
- كانت كل عين تطرف على الأرض قد هلكت غرقا .
- لم يعد باقيا من الحياة والأحياء غير هذا الجزء الخشبي من سفينة نوح .
- وهو ينطوي على الخلاصة المؤمنة من أهل الأرض .
- وأنواع الحيوانات والطيور التي اختيرت بعناية .
- ومن الصعب اليوم تصور هول الطوفان أو عظمته .
- كان شيئا مروعا يدل على قدرة الخالق.
- كانت السفينة تجري بهم في موج كالجبال .
- ويعتقد بعض العلماء الجيولوجيا اليوم.
- إن انفصال القارات وتشكل الأرض في صورتها الحالية .
- قد وقعا نتيجة طوفان قديم جبار .
- ثارت فيه المياه ثورة غير مفهومة .
- حتى غطت سطح الجزء اليابس من الأرض .
- وارتفعت فيه قيعان المحيطات ووقع فيه ما نستطيع تسميته بالثورة الجغرافية.
- استمر طوفان نوح زمنا لا نعرف مقداره .
- ثم صدر الأمر الإلهي إلى السماء أن تكف عن الإمطار .
- وإلى الأرض أن تستقر وتبتلع الماء .
- وإلى أخشاب السفينة أن ترسو على الجودي .
- وهو اسم مكان قديم يقال أنه جبل في العراق .
- طهر الطوفان الأرض وغسلها .
- قال تعالى في سورة (هود) :
- (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (44) .
- (وَغِيضَ الْمَاء) .
- بمعنى نقص الماء وانصرف عائدا إلى فتحات الأرض .
- (وَقُضِيَ الأَمْرُ) .
- بمعنى أنه أحكم وفرغ منه .
- يعني هلك الكافرون من قوم نوح تماما.
- ويقال أن الله أعقم أرحامهم أربعين سنة قبل الطوفان .
- فلم يكن فيمن هلك طفل أو صغير .
- (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) .
- بمعنى رست عليه .
- وقيل كان ذلك يوم عاشوراء .
- فصامه نوح .
- وأمر من معه بصيامه .
- (وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
- أي هلاكا لهم .
- طهر الطوفان الأرض منهم وغسلها
- ذهب الهول بذهاب الطوفان .
- وانتقل الصراع من الموج إلى نفس نوح .
- تذكر ابنه الذي غرق .
- لم يكن نوح يعرف حتى هذه اللحظة أن ابنه كافر .
- كان يتصور أنه مؤمن .
- عنيد آثر النجاة باللجوء إلى جبل .
- وكان الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يتم .
- فلم يعرف نوح حظ ابنه من الإيمان
- تحركت في قلب الأب عواطف الأبوة
- قال تعالى في سورة (هود) :
- (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) (45) .
- أراد نوح أن يقول لله أن ابنه من أهله المؤمنين .
- وقد وعده الله بنجاة أهله المؤمنين .
- قال الله سبحانه وتعالى .
- مطلعا نوحا على حقيقة ابنه للمرة الأولى :
- (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (46) (هود) .
- قال القرطبي :
- نقلا عن شيوخه من العلماء .
- وهو الرأي الذي نؤثره :
- كان ابنه عنده (أي نوح) مؤمنا في ظنه .
- ولم يك نوح يقول لربه :
- (إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) إلا وذلك عنده كذلك .
- إذ محال أن يسأل هلاك الكفار .
- ثم يسأل في إنجاء بعضهم .
- وكان ابنه يسرّ الكفر ويظهر الإيمان
- فأخبر الله تعالى نوحا بما هو منفرد به من علم الغيوب .
- أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت .
- وكان الله حين يعظه أن يكون من الجاهلين .
- يريد أن يبرئه من تصور أن يكون ابنه مؤمنا .
- ثم يهلك مع الكافرين .
- وثمة درس مهم تنطوي عليه الآيات الكريمة التي تحكي قصة نوح وابنه .
- أراد الله سبحانه وتعالى .
- أن يقول لنبيه الكريم .
- أن ابنه ليس من أهله .
- لأنه لم يؤمن بالله .
- وليس الدم هو الصلة الحقيقية بين الناس .
- ابن النبي هو ابنه في العقيدة .
- هو من يتبع الله والنبي .
- وليس ابنه من يكفر به ولو كان من صلبه .
- هنا ينبغي أن يتبرأ المؤمن من غير المؤمن .
- وهنا أيضا ينبغي أن تتصل بين المؤمنين صلات العقيدة فحسب .
- لا اعتبارات الدم أو الجنس أو اللون أو الأرض .
- واستغفر نوح ربه وتاب إليه ورحمه الله .
- وأمره أن يهبط من السفينة محاطا ببركة الله ورعايته .
- وهبط نوح من سفينته .
- أطلق سراح الطيور والوحش .
- فتفرقت في الأرض .
- نزل المؤمنون بعد ذلك .
- ولا يحكي لنا القرآن الكريم .
- قصة من آمن مع نوح بعد نجاتهم من الطوفان .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــ
ـــــــ
خامساً : هود عليه السلام :
أرسل إلى قوم عاد الذين كانوا بالأحقاف
- : وكنوا أقوياء :
- كانوا أقوياء الجسم والبنيان .
- وآتاهم الله الكثير من رزقه .
- ولكنهم لم يشكروا الله .
- على ما آتاهم .
- وعبدوا الأصنام .
- فأرسل لهم الله هودا نبيا مبشرا .
- كان حكيما .
- ولكنهم كذبوه وآذوه .
- فجاء عقاب الله .
- وأهلكهم بريح صرصر عاتية .
- استمرت سبع ليال وثمانية أيام .
سـيرته:
عبادة الناس للأصنام:
- بعد أن ابتلعت الأرض مياه الطوفان .
- الذي أغرق من كفر (بنوح) عليه السلام .
- قام من آمن معه ونجى .
- بعمارة الأرض .
- فكان كل من على الأرض .
- في ذلك الزمان من المؤمنين .
- لم يكن بينهم كافر واحد .
- ومرت سنوات وسنوات .
- مات الآباء والأبناء .
- وجاء أبناء الأبناء .
- نسى الناس وصية نوح .
- وعادت عبادة الأصنام .
- انحرف الناس عن عبادة الله وحده
- وتم الأمر بنفس الخدعة القديمة.
- قال أحفاد قوم نوح :
- لا نريد أن ننسى آبائنا .
- الذين نجاهم الله من الطوفان .
- وصنعوا للناجين تماثيل .
- ليذكروهم بها .
- وتطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل
- فإذا الأمر ينقلب إلى العبادة .
- وإذا بالتماثيل .
- تتحول بمكر من الشيطان .
- إلى آلهة مع الله .
- وعادت الأرض تشكو .
- من الظلام مرة ثانية .
- وأرسل الله سيدنا (هودا) إلى قومه.
إرسال هود عليه السلام:
- كان (هود) من قبيلة .
- اسمها (عاد) .
- وكانت هذه القبيلة .
- تسكن مكانا يسمى الأحقاف .
- وهو صحراء تمتلئ بالرمال .
- وتطل على البحر .
- أما مساكنهم فكانت خياما كبيرة .
- لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع
- وكان قوم عاد .
- أعظم أهل زمانهم .
- في قوة الأجسام .
- والطول والشدة .
- كانوا عمالقة وأقوياء .
- فكانوا يتفاخرون بقوتهم .
- فلم يكن في زمانهم .
- أحد في قوتهم .
- ورغم ضخامة أجسامهم .
- كانت لهم عقول مظلمة .
- كانوا يعبدون الأصنام .
- ويدافعون عنها .
- ويحاربون من أجلها .
- ويتهمون نبيهم ويسخرون منه .
- وكان المفروض .
- ما داموا قد اعترفوا .
- أنهم أشد الناس قوة .
- أن يروا أن الله .
- الذي خلقهم هو أشد منهم قوة.
- قال لهم (هود) .
- نفس الكلمة التي يقولها كل رسول .
- لا تتغير ولا تنقص ولا تتردد ولا تخاف ولا تتراجع .
- كلمة واحدة هي الشجاعة كلها .
- وهي الحق وحده .
- (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) .
- وسأله قومه :
- هل تريد أن تكون سيدا علينا بدعوتك
- وأي أجر تريده .
- إن هذه الظنون السيئة .
- تتكرر على ألسنة الكافرين .
- عندما يدعوهم نبيهم .
- للإيمان بالله وحده.
- فعقولهم الصغيرة .
- لا تتجاوز الحياة الدنيوية .
- ولا يفكروا إلا بالمجد والسلطة والرياسة.
- أفهمهم (هود) .
- أن أجره على الله .
- إنه لا يريد منهم شيئا غير .
- أن يغسلوا عقولهم في نور الحقيقة .
- حدثهم عن نعمة الله عليهم .
- كيف جعلهم خلفاء لقوم نوح .
- كيف أعطاهم بسطة في الجسم .
- وشدة في البأس .
- كيف أسكنهم الأرض .
- التي تمنح الخير والزرع .
- كيف أرسل عليهم المطر .
- الذي يحيى به الأرض .
- وتلفت قوم (هود) حولهم .
- فوجدوا أنهم أقوى من على الأرض .
- وأصابتهم الكبرياء وزادوا في العناد.
- قالوا لهود :
- كيف تتهم (آلهتنا) .
- التي وجدنا آباءنا يعبدونها .
- قال هود :
- كان آباؤكم مخطئين.
- قال قوم هود :
- هل تقول يا هود .
- إننا بعد أن نموت .
- ونصبح ترابا يتطاير في الهواء .
- سنعود إلى الحياة .
- قال هود : ستعودون يوم القيامة .
- ويسأل الله كل واحد فيكم عما فعل.
- انفجرت الضحكات .
- بعد هذه الجملة الأخيرة .
- ما أغرب ادعاء هود .
- هكذا تهامس الكافرون من قومه .
- إن الإنسان يموت .
- فإذا مات تحلل جسده .
- فإذا تحلل جسده تحول إلى تراب .
- ثم يهب الهواء ويتطاير التراب .
- كيف يعود هذا كله إلى أصله .
- ثم ما معنى وجود يوم للقيامة .
- لماذا يقوم الأموات من موتهم .
- استقبل (هود) كل هذه الأسئلة بصبر كريم .
- ثم بدأ يحدث قومه عن يوم القيامة .
- أفهمهم أن إيمان الناس بالآخرة .
- ضرورة تتصل بعدل الله .
- مثلما هي ضرورة .
- تتصل بحياة الناس.
- قال لهم ما يقوله كل نبي .
- عن يوم القيامة .
- إن حكمة الخالق المدبر .
- لا تكتمل بمجرد بدء الخلق .
- ثم انتهاء حياة .
- المخلوقين في هذه الأرض .
- إن هذه الحياة اختبار .
- يتم الحساب بعدها .
- فليست تصرفات الناس .
- في الدنيا واحدة .
- هناك من يظلم .
- وهناك من يقتل .
- وهناك من يعتدي .
- وكثيرا ما نرى الظالمين .
- يذهبون بغير عقاب .
- كثيرا ما نرى .
- المعتدين يتمتعون في الحياة بالاحترام والسلطة .
- أين تذهب شكاة المظلومين .
- وأين يذهب ألم المضطهدين .
- هل يدفن معهم في التراب بعد الموت
- إن العدالة .
- تقتضي وجود يوم للقيامة .
- إن الخير .
- لا ينتصر دائما في الحياة .
- أحيانا ينظم الشر .
- جيوشه ويقتل حملة الخير .
- هل تذهب هذه الجريمة بغير عقاب .
- إن ظلما عظيما يتأكد لو افترضنا .
- أن يوم القيامة لن يجئ .
- ولقد حرم الله تعالى .
- الظلم على نفسه .
- وجعله محرما بين عباده .
- ومن تمام العدل .
- وجود يوم للقيامة .
- والحساب والجزاء .
- ذلك أن يوم القيامة .
- هو اليوم الذي تعاد فيه جميع القضايا
- مرة أخرى أمام الخالق .
- ويعاد نظرها مرة أخرى .
- ويحكم فيها رب العالمين سبحانه .
- هذه هي الضرورة الأولى ليوم القيامة
- وهي تتصل بعدالة الله ذاته.
- وثمة ضرورة أخرى ليوم القيامة .
- وهي تتصل بسلوك الإنسان نفسه .
- إن الاعتقاد بيوم الدين .
- والإيمان ببعث الأجساد .
- والوقوف للحساب .
- ثم تلقي الثواب والعقاب .
- ودخول الجنة أو النار .
- هذا شيء من شأنه أن يعلق أنظار البشر .
- وقلوبهم بعالم أخر بعد عالم الأرض .
- فلا تستبد بهم ضرورات الحياة .
- ولا يستعبدهم الطمع .
- ولا تتملكهم الأنانية .
- ولا يقلقهم أنهم لم يحققوا جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود .
- وبذلك يسمو الإنسان على الطين الذي خلق منه .
- إلى الروح الذي نفخه ربه فيه .
- ولعل مفترق الطريق .
- بين الخضوع لتصورات الأرض .
- وقيمها وموازينها .
- والتعلق بقيم الله العليا .
- والانطلاق اللائق بالإنسان .
- يكمن في الإيمان بيوم القيامة .
- حدثهم هود بهذا كله .
- فاستمعوا إليه وكذبوه .
- قالوا له هيهات هيهات .
- واستغربوا أن يبعث الله .
- من في القبور .
- استغربوا أن يعيد الله خلق الإنسان .
- بعد تحوله إلى التراب .
- رغم أنه خلقه من قبل من التراب .
- وطبقا للمقاييس البشرية .
- كان ينبغي أن يحس .
- المكذبون للبعث .
- أن إعادة خلق الإنسان من التراب والعظام .
- أسهل من خلقه الأول.
- لقد بدأ الله الخلق .
- فأي صعوبة في إعادته .
- إن الصعوبة .
- طبقا للمقياس البشرية .
- تكمن في الخلق .
- وليس المقياس البشري غير مقياسٍ بشري .
- ينطبق على الناس .
- أما الله .
- فليست هناك أمور صعبة أو سهلة .
- بالنسبة إليه سبحانه وتعالى .
- تجري الأمور بالنسبة إليه سبحانه وتعالى بمجرد الأمر.
موقف الملأ من دعوة هود:
- يروي المولى عزل وجل .
- موقف الملأ (وهم الرؤساء) .
- من دعوة هود عليه السلام .
- سنرى هؤلاء الملأ في كل قصص الأنبياء .
- سنرى رؤساء القوم وأغنيائهم ومترفيهم .
- يقفون ضد الأنبياء .
- يصفهم الله تعالى بقوله :
- (وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
- من مواقع الثراء والغنى والترف .
- يولد الحرص على استمرار المصالح الخاصة .
- ومن مواقع الثراء والغنى والترف والرياسة .
- يولد الكبرياء .
- ويلتفت الرؤساء في القوم .
- إلى أنفسهم ويتساءلون :
- أليس هذا النبي بشرا مثلنا .
- يأكل مما نأكل .
- ويشرب مما نشرب .
- بل لعله بفقره يأكل أقل مما نأكل .
- ويشرب في أكواب صدئة .
- ونحن نشرب في أكواب الذهب والفضة .
- كيف يدعي أنه على الحق .
- ونحن على الباطل هذا بشر .
- كيف نطيع بشرا مثلنا .
- ثم لماذا اختار الله بشرا .
- من بيننا ليوحى إليه .
- قال رؤساء قوم هود :
- أليس غريبا أن يختار الله من بيننا بشرا .
- ويوحي إليه تسائل هو :
- ما هو الغريب في ذلك .
- إن الله الرحيم بكم .
- قد أرسلني إليكم لأحذركم .
- إن سفينة نوح .
- وقصة نوح ليست ببعيدة عنكم .
- لا تنسوا ما حدث .
- لقد هلك الذين كفروا بالله .
- وسيهلك الذين يكفرون بالله دائما .
- مهما يكونوا أقوياء.
- قال رؤساء قوم هود :
- من الذي سيهلكنا يا هود :
- قال هود : الله .
- قال الكافرون من قوم هود :
- ستنجينا آلهتنا.
- وأفهمهم هود .
- أن هذه الآلهة التي يعبدونها لتقربهم من الله .
- هي نفسها التي تبعدهم عن الله .
- أفهمهم أن الله .
- هو وحده الذي ينجي الناس .
- وأن أي قوة أخرى في الأرض .
- لا تستطيع أن تضر أو تنفع .
- واستمر الصراع بين هود وقومه .
- وكلما استمر الصراع ومرت الأيام .
- زاد قوم هود استكبارا وعنادا وطغيانا وتكذيبا لنبيهم .
- وبدؤا يتهمون (هودا) عليه السلام بأنه سفيه مجنون.
- قالوا له يوما :
- لقد فهمنا الآن سر جنونك .
- إنك تسب آلهتنا وقد غضبت آلهتنا عليك .
- وبسبب غضبها صرت مجنونا.
- انظروا للسذاجة .
- التي وصل إليها تفكيرهم .
- إنهم يظنون أن هذه الحجارة .
- لها قوى على من صنعها .
- لها تأثير على الإنسان .
- مع أنا لا تسمع ولا ترى ولا تنطق .
- لم يتوقف هود عند هذيانهم .
- ولم يغضبه أن يظنوا به الجنون والهذيان .
- ولكنه توقف عند قولهم :
- (وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) .
- بعد هذا التحدي .
- لم يبق لهود إلا التحدي .
- لم يبق له إلا التوجه إلى الله وحده .
- لم يبق أمامه إلا إنذار أخير .
- ينطوي على وعيد للمكذبين وتهديدا لهم .
- وتحدث هود:
- (إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)(54) .
- (مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ)(55) .(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (56) .
- (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ)(57)(هود) .
- إن الإنسان ليشعر بالدهشة لهذه الجرأة في الحق .
- رجل واحد يواجه قوما غلاظا شدادا وحمقى
- يتصورون أن أصنام الحجارة تستطيع الإيذاء .
- إنسان بمفرده يقف ضد جبارين فيسفه عقيدتهم .
- ويتبرأ منهم ومن آلهتهم .
- ويتحداهم أن يكدوا له .
- بغير إبطاء أو إهمال .
- فهو على استعداد لتلقي كيدهم .
- وهو على استعداد .
- لحربهم فقد توكل على الله .
- والله هو القوي بحق .
- وهو الآخذ بناصية كل دابة في الأرض.
- سواء الدواب من الناس أو دواب الوحوش أو الحيوان .
- لا شيء يعجز الله.
- بهذا الإيمان بالله .
- والثقة بوعده .
- والاطمئنان إلى نصره .
- يخاطب هود الذين كفروا من قومه .
- وهو يفعل ذلك رغم وحدته وضعفه .
- لأنه يقف مع الأمن الحقيقي ويبلغ عن الله .
- وهو في حديثه .
- يفهم قومه أنه أدى الأمانة .
- وبلغ الرسالة .
- فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوما غيرهم .
- سوف يستبدل بهم قوما آخرين .
- وهذا معناه أن عليهم أن ينتظروا العذاب.
هــلاك عـــاد :
- وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم .
- وتوكل على الله الذي خلقه .
- وأدرك أن العذاب واقع بمن كفر من قومه .
- هذا قانون من قوانين الحياة .
- يعذب الله الذين كفروا .
- مهما كانوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة.
- انتظر هود وانتظر قومه وعد الله .
- وبدأ الجفاف في الأرض .
- لم تعد السماء تمطر .
- وهرع قوم هود إليه .
- ما هذا الجفاف يا هود .
- قال هود :
- إن الله غاضب عليكم .
- ولو آمنتم فسوف يرضى الله عنكم .
- ويرسل المطر .
- فيزيدكم قوة إلى قوتكم .
- وسخر قوم هود منه وزادوا في العناد والسخرية والكفر .
- وزاد الجفاف .
- واصفرت الأشجار الخضراء .
- ومات الزرع .
- وجاء يوم فإذا سحاب عظيم .
- يملأ السماء .
- وفرح قوم هود .
- وخرجوا من بيوتهم يقولون :
- (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا).
- تغير الجو فجأة .
- من الجفاف الشديد والحر إلى البرد الشديد القارس .
- بدأت الرياح تهب
- . ارتعش كل شيء .
- ارتعشت الأشجار والنباتات والرجال والنساء والخيام .
- واستمرت الريح .
- ليلة بعد ليلة .
- ويوما بعد يوم .
- كل ساعة كانت برودتها تزداد .
- وبدأ قوم هود يفرون .
- أسرعوا إلى الخيام واختبئوا داخلها .
- اشتد هبوب الرياح واقتلعت الخيام .
- واختبئوا تحت الأغطية .
- فاشتد هبوب الرياح .
- وتطايرت الأغطية .
- كانت الرياح تمزق الملابس وتمزق الجلد .
- وتنفذ من فتحات الجسم وتدمره .
- لا تكاد الريح تمس شيئا إلا قتلته ودمرته .
- وجعلته كالرميم.
- استمرت الرياح مسلطة عليهم سبع ليال وثمانية أيام .
- لم تر الدنيا مثلها قط .
- ثم توقفت الريح بإذن ربها .
- لم يعد باقيا ممن كفر من قوم هود .
- إلا ما يبقى من النخل الميت .
- مجرد غلاف خارجي .
- لا تكاد تضع يدك عليه .
- حتى يتطاير ذرات في الهواء.
- نجا هود ومن آمن معه .
- وهلك الجبابرة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذه نهاية عادلة لمن يتحدى الله ويستكبر عن عبادته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع الجزء الثاني
قريباً
أن شاء الله
والحمد لله رب العالمين
دائما وأبدا
جمعه ونقله توثيقا :
عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن يحيى
العيوني التميمي
واتساب 0507988088
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكرمنا وإياكم وموتنا
بالعفو والرحمة الواسعة
ويجمعنا بهم بالفردوس الأعلى
من الجنة آمين
27/07/2024م